الرئيسية > مقالات > ما هو التفكير المتوازي في ريادة الأعمال؟

ما هو التفكير المتوازي في ريادة الأعمال؟

ما هو التفكير المتوازي في ريادة الأعمال؟

يرتبط مفهوم ريادة الأعمال ارتباطًا وثيقًا بمُصطلح فريق العمل، فمن أجل نجاح المشروع يحتاج رائد الأعمال للكثير من المهارات مثل إدارة الأمور المالية أو الأمور التقنية كالتصميم والبرمجة وما إلى ذلك، وفي مُعظم الحالات يمتلك رائد الأعمال مهارة واحدة أو اثنتين على الأكثر تُساعدانه في إدارة جزء من هذه الأمور بمفرده، لكنه وبكل تأكيد بحاجة إلى أشخاص آخرين إلى جانبه لتحويل الفكرة إلى واقع ملموس.

ولا يجب أن يكون رائد الأعمال ذلك القائد المُتعالي الذي لا يستمع إلى بقية الآراء أو يُجادلها طوال الوقت، فليس جميع رواد الأعمال ستيف جوبز الذي كانت نظرته تصيب في الغالب، أو على الأقل يحتاج المرء لخوض تجارب كثيرة قبل أن يمتلك نظرة حادّة مثل مؤسس آبل والرئيس التنفيذي السابق لها.

الواقع يقول أن الكثير من المشاريع تتوفر لها المُقومات الأساسية مثل فريق العمل، والمورد المادي بالإضافة إلى رائد الأعمال الذي هو في الغالب صاحب الفكرة، لكن بسبب أو بآخر لا ترى الفكرة النور أبدًا، وإن خرجت للعموم، فهي سُرعان ما تختفي دون معرفة السبب.

للأسف فريق العمل هو من يقف وراء هذا الفشل، ليس بسبب نقص حيلته أبدًا، بل بسبب عدم التفاهم والتناغم فيما بينهم، وهذا شيء موجود في جميع الشركات، فالفريق يدخل إلى اجتماعات ليتجادل أعضاءه فيما بينهم ويخرجون دون نتيجة.

هذه هي المُشكلة، الجدال والنقاشات العقيمة، وهو أسلوب مُستخدم في مُعظم الشركات، فإما أن يكون رائد الأعمال شخصًا مُتعالٍ يأمر ويخرج دون أن يلتفت خلفه، وإما أن يكون ضعيف الشخصية وعندما تحتد النقاشات يُقرر بحنكته القليلة تأجيل الاجتماع إلى وقت آخر، وهو ما سيؤثر بكل تأكيد على سير المشروع ونجاحه.

لكن أسلوب قاعات المحكمة أو أسلوب الجدال والنقاش الذي غالبًا ما يصطدم بجدار اسمنتي ليس هو الحل الوحيد أو الطريق الوحيد أمام روّاد الأعمال وفرق عملهم، التفكير المتوازي موجود بالفعل، وهو أسلوب يُثبت نجاحه مع تقدّم الوقت ومُستخدم في كُبرى الشركات العالمية.

تخيّل معي وجود هاتف ذكي جديد، مع وجود أربعة مُراقبين للحديث عن هذا الهاتف. باستخدام أسلوب النقاش التقليدي سيبدأ كل واحد منهم في سرد السلبيات والإيجابيات والدفاع عن وجهة نظره بضرواة، فمن وجهة النظر المُراقبأوجود زر التشغيل على الطرف الأيمن اختيار خاطئ، لكن وفي نفس الوقت، يرى المُراقببأن وجود أزرار التحكم في الصوت على الطرف الأيسر خيارًا جيّدًا، وهكذا كُلٌ يُغنّي على ليلاه، دون وجود وسيلة للخروج بنتيجة تُعطي الجواب الشافي حول تصميم الجهاز.

لكن في المُقابل وعند استخدام التفكير المتوازي فإن المُراقبين يُطلب منهم أولًا النظر إلى الطرف المُقابل لهم، فالمراقبأينظر إلى الطرف الأيمن، والمراقببإلى الأيسر، والمراقبتينظر إلى الطرف الأعلى، وأخيرًا المُراقبثينظر إلى الطرف الأسفل. بعدها يُطلب من المُراقبين تغيير مواقعهم، لينظر المُراقبأإلى الطرف الأعلى، والمُراقببإلى الأسفل وهكذا تتكرر العملية حتى يُعاين جميع المُراقبين جميع الأطراف.

وفي كل مرّة يتغيّر فيها موقع المُراقب تُدون وجهة نظره على حدى، لكن وفي النهاية سوف تكون مُلاحظات المُراقبين مبنية حسب مُشاهدتهم لجميع الأطراف وليس لطرف واحد. في هذه الحالة يختصر رائد الأعمال وفريق عمله الكثير من النقاشات، وفي حالة وجود نقاط مُتعاكسة عند الحديث عن أحد أطراف الهاتف، فهنا يتم النقاش حولها لاختيار وجهة النظر الأمثل.

فائدة هذا الأسلوب تكمن في تجنّب النقاشات التي تحتد مع الوقت والتي سببها في الغالب التشبّث لإثبات وجهة نظر الشخص على غيره،  حيث يسمح التفكير المتوازي للجميع بمعاينة كل شيء، والهدف من الاجتماع أساسًا هو الحصول على كم من المعلومات، وليس اختيار رأي أفضل شخص كما هو الحال في أساليب النقاشات التقليدية.

القُبّعات الست

القُبّعات الست

يُطلق على التفكير المتوازي أيضًا أسلوب القُبعات الست Six Thinking Hats، حيث يوفر هذا الأسلوب ست قُبعات مُختلفة الألوان يحتاج المُراقبون إلى ارتداءها جميعًا في كل اجتماع، ولا يجب أن يختص كل مُراقب بقبّعة واحدة.

ألوان القُبعات تكون كالتالي، القُبّعة البيضاء تُستخدم للحديث عن الحقائق والأرقام المُتعلقة بالمشروع. أما الحمراء، فهي تُستخدم للحديث عن مشاعر المُراقبين حول المشروع وردّة فعلهم النفسية حوله. في المُقابل تتوفر القُبّعة السوداء التي تُستخدم للحديث عن المخاطر ونقاط الضعف الموجودة في المشروع، بالإضافة إلى الصفراء للحديث عن إيجابيات المشروع ونقاط قوّته، فهي عكس القُبعة السوداء ومليئة بالتفاؤل والأمل.

أخيرًا تأتي القبعة الخضراء للحديث عن الأفكار الجديدة التي يُمكن إضافتها للمشروع، حيث يُمكن القول أنها قُبّعة مُرتبطة بالإبداع، تليها القُبّعة الزرقاء والأخيرة، والتي تُستخدم للحديث عن التنظيم واخذ زمام المُبادرة وآلية سير العمل والاستفادة من جميع المُعطيات المتوفرة أمام فريق العمل.

كيف يُمكن استخدام القُبعات؟

يجب أن يكون هناك حذر شديد عند استخدام هذا الأسلوب، فلا يجب أبدًا أن يتم تخصيص قُبّعة لكل شخص، بل يجب أن يرتدي أعضاء فريق العمل جميع القُبعات.

عند الدخول إلى الاجتماع يطلب رائد الأعمال أو المسؤول عن إدارة فريق العمل من طاقمه وضع القُبعة الحمراء على سبيل المثال، وبالتالي يجب على الجميع البدء بالحديث عن مشاعرهم حول المشروع الذي هُم اجتمعوا من أجله، ينتقل بعدها الجميع لارتداء القُبّعة السوداء للحديث عن نقاط ضعف الفكرة، وهكذا. لا يجب أن يرتدي شخص واحد قُبعة واحدة فقط، بل يجب أن تُرتدى جميع القُبّعات من قبل الجميع دون استثناء للحصول على كم أكبر من المعلومات.

ما هي فوائد هذا الأسلوب؟

بداية يُطعي هذا الأسلوب القوّة لأعضاء فريق العمل، فالذكاء والخبرة بالإضافة إلى المعرفة الخاصة بجميع الأعضاء سوف تكون حاضرة لأن الجميع ينظر إلى المُنتج أو الفكرة بعين واحدة تقريبًا. لن يسعى أي شخص إلى إبداء وجهة نظره لتتفوق على الآخر، بل الهدف هو تقديم المعلومات ومُشاركة الأفكار والشعور بالأهمية والإنتاج.

إضافة إلى ذلك، يوفر هذا الأسلوب الوقت بشكل كبير، فكُبرى الشركات العالمية نجحت في تقليص وقت الاجتماعات بنسبة تجاوزت الـ 25%، فشركة Optus الأسترالية المُتخصصة في مجال الاتصالات نجحت في إتمام أحد أهم اجتماعاتها خلال ٤٥ دقيقة فقط، بعد أن خصصت أربع ساعات لهذا الاجتماع نظرًا لأهميته.

بعض الشركات في الولايات المُتحدة الأمريكية ذكرت أنها وباستخدام التفكير المتوازي قلّصت وقت الاجتماعات ليصل إلى ربع الوقت التقليدي، فإذا كانت الاجتماعات التقليدية تتطلب ساعتين من وقت فريق العمل، هي نجحت بإتمامه خلال نصف ساعة فقط!

وبعيدًا عن توفير الوقت والقوّة، فإن هذا الأسلوب يُزيل داء الأنا بين أعضاء فريق العمل، فلن يسعى أحدهم إلى فرض وجهة نظره لأن الجميع يتبادلون ما يجول في خاطرهم فقط، وإبداء الرأي ليس بالجرم أبدًا، وفي النهاية يتم تدوين جميع المُعطيات التي يُقدمها أعضاء فريق العمل وأخذها بعين الاعتبار.

أما الفائدة الأخيرة لهذا الأسلوب فهي النظر إلى شيء واحد في نفس الوقت، في الاجتماعات التقليدية ينظر كل شخص إلى الموضوع من وجهة نظره فقط، فهو يجمع بين مشاعره، وأفكاره، ونقاط الضعف التي يراها خلال حديثه، ثم يأتي العضو الآخر ليتحدث عن نفس الأمور في نفس الوقت، ليأتي الثالث ويخالف الثاني والأول، وهكذا تدوم الاجتماعات ولا يصل الفريق إلى نقطة التقاء.

لكن وباستخدام التفكير المتوازي فإن الجميع يُركّز على نقطة واحدة في نفس الوقت، الجميع سوف يتحدث الآن عن مشاعره حول المشروع، ثم ينتقلون للحديث عن الحقائق والمُعطيات التي شاهدوها، وهكذا من نقطة للثانية كجسد واحد وبعين واحدة فقط.

3

بكل تأكيد لا يُمكن إتقان أسلوب القُبّعات الست فوريًا ومن أول اجتماع، بل يحتاج رائد الأعمال المسؤول عن إدارة فريق عمله أولًا إلى فهمه بشكل عميق لينقل خبرته إلى أعضاء فريق عمله للتحسّن النتائج مع مرور الوقت.

التفكير المتوازي أو القُبّعات الست ليست العصا السحرية لحل المشاكل، فهُنالك الكثير من الأساليب التي يُمكن استخدامها والتي يُمكنك تعلُمها عبر الإطلاع عليها في قسم ريادة الأعمال عبر أكاديمية حسوب.

المزيد عن: