الرئيسية > مقالات > iOS وأندرويد: كيف بدآ وإلى أين وصلا؟

iOS وأندرويد: كيف بدآ وإلى أين وصلا؟

لن ينسى التاريخ أبداً أن أول نظام تشغيل للهواتف المحمولة ينقلها من عالمها الضيق الممل لعصر جديد سُمِّيَ فيما بعد باسم “Post PC era” هو نظام تشغيل هواتف أبل لأجهزتها المحمولة، نظام التشغيل iOS الذي كان طفرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لم يكن آنذاك شيء اسمه أندرويد، بل حتى شركة جوجل -المطورة للنظام التشغيل أندرويد- عاينت مع ستيڤ چوبز مؤسس شركة أبل ورئيسها التنفيذي في ذلك الوقت وضع البذرة الأولى لـ iOS.

ولما تم وضع حجر الأساس لعصر جديد للهواتف المحمولة بدأت مرحلة الاستنساخ لنظام iOS ووضع نظام أندرويد كبديل مجاني مفتوح المصدر، وبدأ صراع العمالقة، بدأ التنافس الشيد بين شركات الهواتف الذكية التي تعتمد على نظام التشغيل أندرويد من ناحية وبين شركة وحيدة اسمها أبل التي تطلق هواتف آيفون بنظام التشغيل iOS.

بدأ عصر استخدام الهواتف الذكية بواسطة كل شخص عادي ولا يشترط كونه يفهم في الكمبيوتر، تم مراعاة ذلك جيدا حتى أصبح الآن في ٢٠١٧ تصفح الانترنت عن طريق الهواتف المحمولة أكثر من تصفحها عبر أجهزة الكمبيوتر.

إن من ينكر أن أبل هي صاحبة السبق في ذلك هو كمن ينكر أن البرتقال برتقالي اللون، وحتى تكون المقارنة موضوعية يجب أن نؤسس للموضوعية من جديد حيث أنها نادرة! ويجب أن نفرق بين الحقيقة والرأي، Fact and Opinion.

فعندما نقول هواتف آيفون جميلة/بشعة فهذا رأي محض، ولا غبار على الرأي هنا، بل كل شخص حرٌ في رأيه ويستحيل أن تتساوى الآراء ومن يسعى لتسويتها يلغي ببساطة أذواق البشر وتفضيلاتهم النوعية، أما عندما نقول هواتف أندرويد منخفضة السعر فهذه حقيقة، وعندما نقول هواتف أبل مرتفعة السعر فهذه حقيقة أيضاً، وعندما نقول أن كاميرا هاتف ما مواصفاتها أعلى من هاتف آخر فهذه حقيقة، لكن أن نقول صور التي يلتقطها هاتف ذكي أفضل من الصور التي يلتقطها هاتف ذكي آخر فهذا رأي محض لو ظل بهذه العبارة المقتضبة، لكن إن تم التوصيف بوضوح الصورة وعدم اهتزازها ووضوح وغناء ألوانها و و و ….. فربما تحرك الوصف من خانة الرأي لخانة الحقيقة.

هل هذا واضح كبداية لنبدأ منها تلك المقارنة التي لا يكف الجدل حولها بين المستخدمين في كل العالم؟ إنها المقارنة بين التفاحة والآلي الأخضر، المقارنة بين آيفون بنظام التشغيل iOS وبين أي هاتف يعمل بنظام التشغيل أندرويد من الشركات المصنعة للهواتف الذكية سوء سامسونج أو إل جي أو هواوي أو غيرها من الشركات.

تبدأ القصة بستيڤ چوبز الطالب في الكلية الذي لا يريد استكمال دراسته بها ويريد بداية حياته العملية والتجارية مبكراً. لكن أراد القدر له أن يحضر دورة تدريبية غيرت مجرى حياته، إنها دورة تدريبية عن فن الخط! كان ستيڤ يعيش حياة الهيبيز، كان يطمح للإجابة عن أسئلة وجودية كما يطمح الشباب، فوجد في الهيبيز والبوذية كسراً للمألوف من نمط الحياة المادية الغربية المملة. كان يرى نفسه أنه “مُخَلِّص”، كان يريد أن يرى الجمال والإبداع في الكون. حتى وضع القدر أمامه هذه الدورة التدريبية.

قد يقول قائل وماذا يهم في الخط ! ما البذرة التكنولوجية في ذلك ! وفي الحقيقة كان الخط هو المدخل لحياة الإبداع والجمال والفن. كان المدخل لعالم السحر، عالم التفاحة المذهل، عندما تعلم الخط، تعلم الفن فيه وفي خطوطه المستقيمة وفي منحنياته ودورانه و رسمه ودقته وفلسفته في الجمال وفي متعة العين.

وعندما بدأ حياته التكنولوجية تأثر بالفن وبشدة، لم ينظر للكمبيوتر كآلة حاسبة كما نظر إليه بني زمانه وقتها، بل رآه كجهاز صديق للفن والجمال والطبيعة والبشر، آمن أن الكمبيوتر من حق كل إنسان وليس فقط رجال الأعمال! ولو عرف الناس ما هو الكمبيوتر لتمنوا ألا يخلوا بيت منه، بل لا تخلوا يد فرد في البيت منه! ليكون معيناً لهم في حياتهم، آمن ستيڤ أن الكمبيوتر لو كان آلة صماء معقدة قبيحة فسيلفظه البشر العاديون. فجلب للكمبيوتر الفن. جعل الكمبيوتر هو الآخر لوحة فنية من لوحات ليوناردو داڤنشي و ڤان جوخ وأمثالهم.

كان هذا السؤال ذو الإجابة المحسومة يجول في خاطره، هل تستطيع عندما تشتري لوحة فنية أن تغيِّر فيها و تعدِّل؟ طبعاً لا، بل يكون هذا عبثاً و قبحاً، تخيل أنك اشتريت مثلاً لوحة الموناليزا، فهل ستعدل بسمتها؟ هل ستعدل لون ملابسها !! بالطبع لا، هكذا هو الكمبيوتر في عين ستيڤ چوبز. لا يمكن العبث به وتغييره، هو لوحة فنية، هو مقطوعة موسيقية، هو فن فنان مبدع تستمتع به على حاله بكل ما له و ما عليه! هو كائن به كل كمال و نقص المخلوقات!

وسواء اتفقت أو اختلفت معه في هذا التماثل بين الكمبيوتر واللوحة الفنية، فلن تملك إلا أن تنبهر من لوحاته الفنية، أعني كمبيوتراته وأجهزته الذكية، حتى شريكه ستيڤ وزنياك عبقري الكمبيوتر الذي اختلف معه في رؤيته هذه لم يملك إلا أن يعشق فنه و تفاحته رغم أن خلافهما ظل طيلة حياة جوبز، ويبدو أن الأقدار نصرت چوبز على وزنياك ! رغم أن چوبز فقير تكنولوجيا وعلمياً و وزنياك جبل تكنولوجي في وادي السيليكون .

بالإضافة لفلسفة الجمال والتناسق الفني، فإن من فلسفتهم أيضا أنهم في أبل يُصَنِّعون الأشياء كما يتمنون أن تكون لهم، بمتانة و أمان و سهولة و جمال و فن، ولم يخل عرض تقديمي من عروض أبل التي قدمها چوبز من عنصر الإبهار وخفة الروح والتشويق.

كانت أبل مشهورة -قبل آيفون- بالجهاز المعجزة  آيبود، الجهاز الذي أنزل جهاز سوني الووكمان من عرشه ليحتل مكانه بجمال وإبهار، الجهاز الذي أحدث ثورة في عالم الموسيقى، كان الانتقال من آيبود إلى آيفون مفيداً لآيفون، حيث كان الوريث الشرعي لعرش آيبود! استغل ذلك جيداً چوبز عندما قدَّم آيفون على أنه أيبود تاتش ومتصفح انترنت وهاتف جوال، ثلاثة في واحد.

واجهة الإصدار الأول من ios

كان  الإبهار والفرحة العارمة تسيطران على الأجواء، كان استعراض برنامج الموسيقى -الذي هو جزء آيبود داخل هاتف آيفون مبهر للغاية، كان مجرد لمس الشاشة بطرف أصبعك للتصفح نزولاً وصعوداً في منتهى السلاسة لأول مرة بفضل تكنولوجيا الــكاباسيتيڤ تاتش والــمالتي تاتش، كان ذلك مبهراً لدرجة أنه كان كافٍ وقتها لزلزلة عرش هواتف محمولة دامت لعقد من الزمان أو أكثر! كان مجرد خلو الهاتف من لوحة المفاتيح التي تأكل نصفه غاية في الكفاءة والروعة والجمال، وكل من امتلك آيفون بعدها رأى بعينه شكل واجه المستخدم الفنية جمالا وسهولة في الاستخدام، الأيقونات كلها ذات طابع فني واحد، في اتساق وتناغم يريح البصر والعقل بل والروح ! كانت آبل معروفة بجمال تصميم واجهة المستخدم في نظام تشغيلها للحواسب الشخصية فانتقلت الروح للوليد الجديد.

ولأن چوبز رحب بفكر وطاقة الشباب وإبداعهم، فقد تعاونت أبل مع جوجل، في وضع برنامج خرائط جوجل لأول مرة على هاتف محمول، وعرض ذلك چوبز في براعة ودعابة لا ينساها كل من تابع الحدث، حيث استخدم البرنامح في تحديد موقع أقرب فرع ستاربكس ومنه قام بالاتصال بالفرع وطلب ٤٠٠٠ كوب لاتيه ثم قال في سرعة معذرة الرقم خاطيء شكراً، كان الإبهار والجمال والسهولة والفن يحيط آيفون منذ نشأته بدون أدنى مجاملة، ورغم ذلك من يكره آيفون بنظام تشغيله فهذا حقه ورأيه، ورأيه محترم بل وندافع عنه ليقول رأيه ولو خالفناه.

ابتكرت آبل مفهوم البرامج المصغرة ذات الوظيفة المحددة “التطبيقات” Apps في iOS وابتكرت متجر التطبيقات، وذلك في ابتكار غيَّر مجرى الهواتف الذكية لتصبح الآن منافسةً قوية حتى لأجهزة الحواسب الشخصية وذلك “لبعض” المستخدمين. فما أن تدخل متجر البرامج ستفاجأ بمائدة مفتوحة من ألذ البرامج، منها المجاني والمدفوع، لكن كلها تخدم المستخدمين ببراعة، بعضها يغنيك عن الحاسب الشخصي وبعضها يحل محله مؤقتاً حتى ترجع إليه فتستكمل عملك عليه، كل الفضل لبنات أفكارچوبز وفريق العمل في أبل، فريق المهندسين والمبرمجين والمصممين والفنانين اللذين يعملون في تناغم لم يحدث من قبل في عالم الهواتف.

عاش منافسو آيفون في حالة إنكار، سخروا من سعره حتى ماتت أجهزتهم بالسكتة القلبية المفاجئة أو إن شئت قل بالانقراض كما انقرضت الديناصورات العملاقة، أجهزة وشركات جبارة دخلت التاريخ مثل هواتف نوكيا التي كانت تتصدر سوق الهواتف في العالم في ذلك الوقت وهواتف بلاكبيري التي كانت تحظى بشعبية كبيرة، كلهم أفل نجمهم لتشرق شمس آيفون من أبل.

لكن هل استمر هذا الشعاع مشرقاً بنفس القدر؟ أم أن التطور كما كان في صالحهم كان أيضاً في صالح غيرهم الذين استغلوا الفرصة وانقضوا عليها ليقتسموا الكعكة مع أبل ؟

 

يبدو أن شروق شمس آيفون من آبل لم يدم طويلاً حيث أغرى سطوع شمس آبل شركات أخرى لتقليدها، شركات كانت قد شهدت مع آبل وجوبز مراحل تطور الفكرة بل وساهمت ببعض برامجها أن تتواجد على الأيفون ! إنها الشركة العملاقة -الآن- جوجل.

ويبدو أن جوبز لم يعي الدرس !! نفس ما حدث مع بيل جيتس ونسخه واجهة نظام التشغيل الرسومية من ماكنتوش وتسميتها “ويندوز” وجعلها لأجهزة الكمبيوتر الشخصي! نفس ذلك حدث مع مؤسسي جوجل حيث قاما بتنفيذ نظام تشغيل للموبايل يحاكي نظام التشعيل الخاص بهواتف آيفون، ونظراً لأن الشركة ليست متخصصة في الهاردوير مثل آبل الذي صنعت جهازها ونظام تشغيله، بل كانت الشركة متخصصة في البرمجيات فقط، فقد كانت فكرتها بطرح نظام التشغيل مفتوح المصدر يمكن للشركات المصنعة للهواتف الذكية استخدامه في هواتفها، تبارت الشركات في تلقف الوافد الجديد، سامسونج  وإل جي واتش تي سي وغيرها من الشركات، الكل قادم ليأخذ نصيبه من الكعكة !! فمحال أن تترك الشركات لآبل كل هذه السوق المتنامية بسرعة كبيرة.

أندرويد

بدأ أندرويد صاحب علامة الروبوت الأخضر متواضعاً جداً، ولكن بدأ وعينه على أفكار ثورية من آبل تشمل نظام ذكي ومتجرا للتطبيقات وتطويرمستمر، وهو ما جعل أندرويد يحقق نموا كبيرا جدا جعله الآن نظام التشغيل الأكثر شعبية للهواتف الذكية، تربع على عرش الأرقام  حتى الآن، لكن صراع الأرباح لا يزال يشهد منافسة جبارة بين العملاقين، آبل وسامسونج أكبر شركة مُصنعة للهواتف الذكية في العالم والمُصنع الأول لهواتف أندرويد، تحتل سامسونج المرتبة الأولى بإطلاق عشرات الهواتف الذكية سنويا، وبفارق يزيد و يقل تأتي آبل في المرتبة الثانية بإطلاق هاتف أو هاتفين ذكيين فقط سنويا.

لكن ماذا قدم أندرويد للمستهلك ولم يجده في iOS؟ نعم، قدم نظاما مفتوح المصدر يستطيع مطوروا البرامج أن يغيروا فيه ويعدِّلوه ويطوِّروه بعيداً عن مصدره جوجل! نظام به “مدير ملفات”، هذا المدير الغائب في آيفون مما أربك بعض المستخدمين المعتادين على هكذا نظام من  الحاسب الشخصي.

ورغم وجود حلول بديلة “آمنة” لدي آيفون، إلا أن فكرة عدم وجود مدير ملفات مسيطر على الجهاز لم يستسغها كثير من المستخدمين الذين يريدون السيطرة التامة على الجهاز. سيطرة قد تؤدي بهم لإتلاف ملفات رئيسية، لكن لا يهم الأمن ولا التلف، المهم هو السهولة والسرعة في الوصول للملفات والسيطرة التامة الفردية على الجهاز. لم يدركوا أنهم يقامرون بأمنهم الشخصي فمهما أوتيت من قوة فلن تجاري قوة الحارس الشخصي مفتول العضلات، هكذا كانت آبل حارس شخصي لأجهزة آيفون، فيما سمحت جوجل بالمزيد من الحرية في مقابل التفريط في بعض الأمان.

ولا يفهم أحد أنني أقول أن أندرويد نظام فاشل، فكتابة هذا المقال تمت من خلال جهاز أندرويد، فلكل نظام مميزاته و عيوبه، ولا ميزة ولا عيب بذاتها، ولكن هي ميزة أو عيب “بالنسبة” للمستخدم نفسه، فما تراه أنت ميزة يراه غيرك عيباً والعكس، المهم ما هي تفضيلاتك الشخصية والوزن النوعي لكل خاصية بالنسبة لك مما سيجعلك في النهاية تقيم الجهاز بناء على تفضيلاتك أنت وحدك، ولن يهمك كثرة الموافقين لذوقك ولا قلتهم.

صار أندرويد من جوجل منافساً شرساً لنظام iOS من آبل، لذلك ما لبثت أبل بإخراج سلاحها الكبير من خزانته، انه الساحر العملاق آيباد، إنه ذلك التابلت الذي -رغم وجود أجهزة تابلت قبله- إلا أنه كان طفرة نوعية لا ينكرها إلا من يصم أذنيه و يغلق عينيه عن الحقيقة. ومهما نافسوه ومهما انخفضت مبيعات سوق الأجهزة اللوحية يظل آيباد جالسا على عرشه.

حاولت الشركات منافسة آيباد كما نافسوا آيفون لكن هذه المرة كان الساحر العملاق أقوى! ورغم سخرية البعض بقولهم إنه مجرد أيفون عملاق، شق طريقه بخطى عملاقة مثله. ورغم أفول نجم أجهزة التابلت إلا أنه ما زال رقم واحد في المبيعات.

تميزت آبل بتصنيعها للجهاز وللنظام، بينما ظل الأندرويد ممزقاً بين مطوريه وبين صانعي الجهاز الذي سيسكنه، فكان iOS  يسكن جهازاً تم صناعته خصسصا له، وكأن الجهاز يسكنه نظام اختاره هو بعناية، أما أندرويد فاختلف من جهاز لجهاز حسب الشركة، فجهاز يطور أندرويد بقوة كسامسونج وجهاز يجعل أندرويد يسكن في عشة دجاج!! وبسبب ذلك احتفظ iOS برونقه و بهائه وسحره بينما كانت الصورة الذهنية عن أندرويد ليست جيدة، رغم أن هذا أندرويد وهذا أندرويد لكن تشابه الشكل والاسم جعل الخلط بينهما سهلاً، وللحقيقة فأجهزة جبارة كثيرة تحمل اسم أندرويد كنظام للتشغيل تتفوق في خصائصها على آيفون.

المنافسة لصالح المستخدم وتقدم أفضل منتج وأقواه، والمستخدم يتم تدليله، وقد يجمع بين الحسنيين، هاتفين أحدهما أيفون والآخربنظام أندرويد.

المقال يعبر عن رأي الكاتب فقط ولا يعبر عن رأي الموقع بالضرورة، ونرحب بنشر أي ردود على المقال.

المزيد عن: